قال معن بن زائدة:طلبني المنصور ولم أستطع الاحتماء بمكان فخرجت من بغداد متنكّراً فتبعني عبدٌ أسود وأمسك بخطام جملي وقال:لِتنزل عن راحلتك،فأنت طلبة أمير المؤمنين ولمّا يقبض عليك.فقلت: من أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين؟قال:أنت معن بن زائدة.فقلت:لاتقل هذا!أين أنا من معن؟!قال:إني والله لأعرف بك من نفسك.فلمّا رأيت هذا الجد منه قلت:معي عقد جواهر يساوي أضعاف ما جعله المنصور لمن يأتيه بي فخذه واتركني.قال:هاته.فأخرجته فنظر إليه ملياً وقال:صدقت في قيمته ولست بقابلٍ حتى أسألك عن شيء فإن صدقتني أطلقتك قلت:لِتسأل ما تشاء.قال:أنت موصوفٌ بالجود فهل سبق أن وهبت مالك كله؟قلت:لا،قال:فنصفه؟قلت:لا.فلما وصل إلى العشر استحييت منه وقلت:أظنّ أني فعلت.فقال:ليس هذا بعظيم...أنا والله كلُّ ما أملكه لا يساوي مئة درهم وهأنذا أهب لك مالك ونفسك تقديراً لكرمك ولكي تعلم أنّ لله عباداً أسخى منك فلا تعجبك نفسك ولاتمسك يدك عن مكرمةٍ تقدر عليها.ثمّ رمى العقد في حجري ومضلى وأنا إلى اليوم توّاقٌ إلى لقائه ولمّا ألقه.