جلستُ أراقبها وهي تمشي بجسمها المغزليّ الأسود الموشّح باللون البرتقالي اللامع،قعدتُ أتابعها وهي تبدو شاردة اللبِّ مكسورة الخاطر،ربّما لأنني أنام قربها منذعدّةِ ليالٍ وها أنا أتجرّؤ فأسألها عمّا بها،كانت صامتةً لاتعي قولي ولربما كانت تتكلّم فلا أعي أنا قولها كيف لا وبيني وبينها المئات وربما الآلاف من المخلوقات فهي سمكةٌ وانا إنسانةٌ فكيف نتفاهم؟!لا تعجبوا فسرعان ما تنبّهت إلى لغةٍ خطيرةٍ لا يعقلها إلا قلبٌ شفوقٌ ونفسٌ مرهفةٌ، تلك هي لغة العيون،أبصرت في عينيها العاريتين شحوب اليأس وفي رقصتهاالسّاكنة وحشة الوحدة فهمست لها بعينيّ: (إنني أفهمك ياصديقتي فأنت التي صادقتِ فقتلتِ من صادقتِ حتّى إذا استوحشت ولسعك ألم الفراق ندمت فاعتكفت في مسبحك لا تعبأي بأيّ شيء.
فأجابتني عيناها بالصمت العميق فأحسست أنني بكلامي أصبتُ وأخطأت،أجدت وفشلت،فاستدركت فقلت: (يبدو أنني عقلت ما ترمين إليه،إنك تشعرين بالظّلم تارةً وبالتّظلّم أخرى).
تبسّمت شفتاها وهي تلتقط بعضاً من الطّعام الذي ألقيته لها في الحوض فأكملت نظراتي ما يجول في نفسي: (ربّما ترين أنّه من الظّلم وضعك في مكانٍ غير مكانك وموطنٍ غير موطنك فلمّا ظُلِمْتِ جاهدت للبقاء وبحثت عن غذائك الطبيعيّ فوجدتيه في صويحباتك ووجدت في الانتقام درباً للاستمرار،ولأنّك ظُلِمْتِ ظَلَمْتِ فلمّا صحوتِ لما فعلتِ استشعرتِ النّدم في كيانك وسمعت التّأنيب من ضميرك وها أنت تعتكفين محاولةً التّكفير عن ذنبك في محاولةٍ لمحبّة الإنسان الذي اختطفك من مائك ووضعك في مائه).
ورفعت نظري إلى السّماء وتحرّكت شفتاي واضعتان في أذن الكون هذه الكلمات: (كثيرٌ من النّاس يُظلَمون فيفقدون عزيزاً ثمّ ينشدون الأمل والتعويض في ظلم الآخرين حتّى إذا ثابوا إلى وعيهم ندموا واستبدّ بهم اليأس والقنوط إلى ان يأتي من يعلّمهم أنّ رحمة الله واسعةً وأن الحسنة تمحو السّيئة).
وكان آخر حواري مع السّمكة أن قلت لها: (غُبِنتِ فانتقمت فأخطأت السّبيل ولو انتقمت بالصّبر لكنت أشدّ سعادةً وبما أنّك تراجعت فاعلمي أني سأكون لك صديقةً وسأمضي ليالٍ نائمةً قربك وسأهمس لك كلّ يومٍ قبل أن أنام: (تصبحين على خير) .
ملاحظة:
هذه الخواطر راودتني عندما نظفنا حوض السمك المنزلي ولم يكن فيه إلا هذه السمكة إذ إنّ السمكات الأخريات قد متن وكانت معظمهنّ ضحايا للسمكة سابقة الذّكر.
تحياتي